الواقعية (العشق المتجذر )

ان المنجزات الفنية التي تتضم تصوير المجتمع المحلي او التي تتاخذ من  مادة   الفولكلور _التراث الشعبي_اساسا فنيا لها,  لابد ان تكون قد نشات جميعها عن حوافز راسخة وعميقة الجذور وانها قطعا لا تدين بشئ تقريبا للتاثيرات الخارجية , انما استمدت اجمل وافضل  سماتها , كما تقول مصطلحات علم النفس الحديث ,من لا شعور جمعي , فالفنان ياخذ من موروثه التاريخي مفاهيم روحية لواقع غير ملموس من ذاته ويضيف اليها صيغا ذات مغزى من مظاهر مجتمعه المالوفة,

وبنظرة فاحصة ( استقرائية) لنتاج الفنان نشات الالوسي في كل من معارضه في الاتجاه الواقعي  نجد انه تمكن من طرح انطباعاته وتخيلاته حيال عالمه المحيط تاركا لنا من الاثار الابداعية التي تحمل صياغات عدة للاشكال ومحتفظة بقيم جمالبة تبعا لزمان ومكان المرحلة التي سجلت بها موضوعة الحدث المرسوم.

 ان طروحات الفنان نشات الالوسي باتجاه شكلي يتمثل في توثيق واقع محلي , ياخذ من الموروث الشعبي اهم مضامين موضوعاته دالة على وقائع واحداث من مجتمعه الخاص وينبغي لاشكاله ان تلامس في الاقل وجهة نظر منتسبة الى ثقافة ماخوذة من ذاكرة شعبية محلية.

على الرغم من كونه يعتمد الرسم المباشر من الطبيعة الى انه يستند الى التصوير الفوتوغرافي في احيان كثيرة , لاقتناص لحظة من زمان وفي مكان لا يحتمل الانتظار لتهيئة مستلزمات الرسم , فكان للتصوير الفوتوغرافي اثره الايجابي في رسم جانب  وموضوع معين في اكثر من وجه ولفترات زمنية مختلفة.

. العرس , الرقص الشعبي ,الدراويش , الفلاحات وما الى غيرها موضعات لها وقعها الكبير لديه,  يتحسسها بكل ما تحويه من مضامين والوان واستنتاجات فنية وبشكل  مدروس يتعامل  معها  بجدية الفنان المحترف وبالية توظيف تعتمد الاسلوب الواقعي .وتستعرض في ذات الوقت امكانياته الاكاديمية والحرفية , عوضا عن ممارسته لطقوس تضمن اشباع رغبته كانسان يعشق بلده , في ارشفة كثير من الاماكن او توثيق جوانب من تقاليد وممارسات اجتماعية لها طابعها الخاص والمرتبطة ارتباطا وثيقا ببيئته المحلية.

على الرغم من كونه يمارس اسلوبا محددا الا انه قطعا غير ثابت في استخدام تقنيات متعددة تذهب به احيانا للاقتراب من تقنية الفن الكلاسيكي تبعا للموضوع المرسوم, او تجده تعبيريا في غلبة المضمون الفني على الموضوع عبر المبالغة استخدام الالوان المتضادة او التضاد ما بين الضوء والظل في الحدود القصوى ,  متجاهلا كثير من التفاصيل التشريحية عبر استخدام الفرشاة الكبيرة والمثقلة بالمادة اللونية,

اذن الواقعية لدى الفنان نشات لها خصوصيتها الواضحة ذلك ان دراسة لمجمل اعماله الواقعية نجد ان

انه, ومنذ البداية ,كان مدركا لعالمه الفني ولادواته الاكاديمية ادراكا ثابتا ووملتزما برؤية محددة ,غير ان هناك تقنيات متعددة لتمثيله لهذا الادراك او تصويره للاشياء ,قد تتباين من لوحة الى اخرى تبعا للانشاء المرسوم او المضمون الذي بدوره يشكل فعلا ضاغطا باتجاه تداول المنتج او الذائقية المرتبطة بزمان ومكان عرض العمل الفني.

على الرغم من ان الفن الواقعي ينصاع لضرورة جمالية تحددها تحقيق الموضوع المحسوس _بالتاكيد هو نتاج لعمل مادي _الا انه قد لاينحصر في وظيفته , بوصفه مراة لواقع المجتمع او نمط الحياة اليومية فحسب  بل هو للبعض وسيلة للتفسير الجمالي  وضرورة ملحة للتعبير الفني الذي يشكل في كثير من الاحيان الهوية الاساسية لمجتمع معين.

ان الطابع الفني والجمالي الذي تتسم به الاعمال الواقعية للفنان نشات , يتاسس عبر  تصوره للمؤثرات البيئية والظواهر الشعبية من خلال   دراسة العامل النفسي ( السايكولوجي) المرتبط بالواقع المحلي  والتاكيد على فهم المرجعيات التاريخية والتراثية للمشروع المزمع انجازه. وليست لوحاته الا امثولة تجعل من المتلقي يتجول في الحياة الاجتماعية اليومية والبيوتات البغدادية التي تدخر ما يكفي من الحس الجمالي والاستعارات  الشكلية التراثية لاشباع نزوعه الفني وهمه المستمر في تكوين منجز تشكيلي يارشف كل ما تقع عليه عيناه او تتلمسه يداه.

الحياة الشعبية في مدن العراق وريفه الممتد من الشمال الى الجنوب بمفرداته المعمارية الى وادبياته الموروثه وطقوسه الاجتماعية, شكلت خزينا معرفيا, هائلا استعان به الفنان نشات في مجمل نتاجاته الفنية ,الا ان الاشكالية التي يجد نفسه ازاءها ,هي ايجاد المعادلة الصحيحة التي تضمن توافقا ما بين ذهنه المستند الى ثقافة فنبة مكتسبة عبر دراساته الاكاديمية من جهة والاسلوب الفنبي الذي يرتبط بالهوية المحلية والتي تشكل دافعا اساسيا في اعتناق الواقعية وتوثيق انشطة الواقع المحلي .

ان التفرد الخاص الذي يطمح اليه الفنان نشات , في واقعيته , هو استناده الى معالجات فنبة وتقنيات لونية متنوعة تكاد تكون مختلفة الى حد التباين في مجمل العناصر الاساسية والطرازية للوحة ما , في نفس الموضوع الانشائي المصور , التطرف والمبالغة في العلاقات اللونية والتشريحية لكثير من اعماله الواقعية  المنجزة في الفترات المتقدمة, كان الحل الامثل لايجاد مخرج يهيئ له الارضية المناسبة للانطلاق نحو اسلوب يعتمد الجانب الفكري والجمالي  الخالص فكان لابد من الانتقال الى فن اكثر اختزالا للتفاصيل الزائدة والمرتبطة بالجانب الحسي والمحاكاتي في تصويره  لموضوع ما, فبدت اعماله  وكانها  تكاد تلامس الاسلوب التعبيري في استادها الى الجانب الفكري والاهتمام في المصمون الجمالي على حساب المادة الادبية للموضوع المراد تصويره.

هنالك بعض الملابسات الذائقية التداولية للفن قد تكون غريبة عن الفن ذاته الا انها تتحكم في نشاطاته الخاصة, فهي كالقوانين الاجتماعية , او العادات او التقاليد , لا تنبع من الفردية بل ان وجودها جماعي مرتبط بمجتمع معبن وبلد معين يوثر عليها بشكل ما اللاشعور الجمعي لذلك المجتمع وتعلقاته الحسية وعليه فان الفن قد ياخذ منحى طرازا  مشتركا , وهذا بالتاكيد يخلق تقاربا في الطروحات الفنية المقدمة و المواضيع المرسومة عوضا عن التقارب في التقنيات المستخدمة , طقوس المجتمع الشعبي والمفردات التراثية وموضوعات البادية العربية تكاد تكون القواسم المشتركة لمعظم فناني الاسلوب الواقعي في العراق, فالفنان نشات اسوة بكثير من زملاءه ممن اخذ المنحى الواقعي في فترة من فترات عمره الفني , اشتغل على تاسيس تلك القواسم المشتركة واعتمادها لخصائص فنية تشكل جانبا من تميزها في الساحة الفنية العربية.